|
مبنى شركة لوك توماس منتصف الخمسينات |
قد لايعلم الكثيرون أن مدينة التواهي– هذه المدينة العجوز والمتهالكة حاليا– كان لها الفضل الكبير في إنعاش مدينة عدن بعد احتلالها من قبل الإنجليز في منتصف القرن التاسع عشر، لتصبح مدينة تجارية حديثة وميناءً عالميا حرا.
قلة هم من يعلمون أن أول مصرف (بنك) في المنطقة العربية، تم إنشاؤه في هذه المدينة، وفيها أول مكتب بريد، وأول نظام تلجرافي ربط مدينة عدن بالخارج، كما تم في مدينة التواهي إنشاء أول مصنع لتقطير الماء (ماء بمبة)، وأول مصنع للثلج، وأكبر مستودع لخزن الفحم، وأكبر رصيف لتموين البواخر بالفحم، كما شهدت هذه المدينة إنشاء أول فندق (بمواصفات أوروبية)، وكذا أول صيدلية لبيع الأدوية في مدينة عدن، وتم إنشاء ساعة ضخمة على جبل البنجسار شبيهة بساعة (بيج بن) المشهورة.
وقام العديد من الأجانب بتأسيس شركاتهم في هذه المدينة بالذات، وتحصلوا على وكالات من الخارج، وبدأوا باستيراد العديد من السلع التي عرفها قاطنو مدينة عدن في السابق من جميع أنحاء العالم.
سنحاول هنا تسليط الضوء على بعض الأجانب الذين أحبوا مدينة عدن، وجاءوها من بلدانهم، وأسسوا شركات تجارية وملاحية ساهمت في ازدهار هذه المدينة التي لم تبخل عليهم، فبادلت حبهم بالعطاء، حيث استطاعوا امتلاك ثروة كبيرة مكنتهم من التوسع في أعمالهم التجارية خارج مدينة عدن. ومن تلك الشركات التي بقيت في ذاكرة تاريخ عدن القريب:
شركة (لوك توماس وشركاه المحدودة)
وصل الكابتن لوك توماس Captain Luke Thomas مدينة عدن عام 1842 أي بعد 3 سنوات من احتلال الكابتن هينز Commander Haines المدينة، وأصبح وكيلا لشركة الباسفيك والشرق للملاحة والمختصرة بالحرفين (P&O) التي كانت تملك حينها سفينة صغيرة تأتي إلى عدن مرة شهريا تحمل البريد.
في عام 1847 أنشأ الكابتن توماس نظام صرافة يحفظ بموجبه مذخرات جنود الحامية البريطانية، ويقوم بتحويل النقود إلى ذويهم في بريطانيا، وفي عام 1856 دخل السيد قهوجي دنشاو Cowasji Dinshaw كشريك معه في أعمال الصيرفة، وتكونت شركة (لوك توماس وشركاه المحدودة) التي استمرت تعمل كوكيل لشركة (P&O) إلى جانب أعمال الصيرفة حتى عام 1865، حين بدأت بعض الشركات الملاحية الجديدة بمنافسة شركة (P&O)، مما اضطر الكابتن توماس إلى خوض مجال تجاري آخر هو تموين البواخر بالفحم، حيث قام بتموين أول سفينة عبرت قناة السويس بعد افتتاحها عام 1869، ورست في ميناء عدن بالفحم.
وقد عرف الكابتن توماس كمخترع تقني، حيث قام خلال وجوده في عدن بتصميم نظام تبريد لأجهزة تقطير الماء، وكذا اختراعه ونش (Davit) مخصص لإنزال قوارب النجاة، إضافة إلى نظام تلجرافي ربط بين مقره في التواهي ومصنعه في منطقة حجيف، ثم طلبت منه السلطات البريطانية ربط التلجراف إلى منطقة (تارشان) حيث يقيم الحاكم العسكري للمدينة، و من ثم طلب منه ربط مقر الحاكم بمدينة كريتر.
وقد كان السيد توماس هو الشخص الذي صمم نظام تحميل السفن بالفحم، كما قام بتصميم المصنع الذي كان يمتلكه في منطقة حجيف، والذي كان الأروع في شبه الجزيرة العربية.
كما أنشأ معمل تقطير للماء (ماء بمبه) في مدخل حجيف بسعة 12 ألف جالون يوميا، حيث كان يمون مواطني المدينة إضافة إلى تموين السفن.
وبالقرب من ذلك المعمل قام بتشييد مصنع آخر لصناعة الثلج بقدرة 4 طن يوميا.
في عام 1886، وبجانب بناية قهوجي دنشاو في منطقة التواهي قام بافتتاح مبنى خاص بشركة لوك توماس وشركاه المحدودة مكون من ثلاثة طوابق لإدارة أعمالها (انظر الصورة).
كانت هذه البناية مهيبة على الطراز الإنجليزي، ومنها تم إدارة عمل مصرفي بدأ بالازدهار تحت اسم (بنك عدن) Bank of Aden، لم يدم ازدهار هذا البنك طويلا، إذ أن منافسا جديدا ظهر إلى العلن عام 1895 (أي بعد 9 سنوات من افتتاح بنك عدن) ألا وهو افتتاح (بنك الهند الوطني) National Bank of India كمنافس شديد أثر كثيرا على عمل بنك عدن.
|
صورة لمبنى شركة لوك توماس التقطت عام 1886 وفيها مقر بنك عدن |
توفي الكابتن لوك توماس عام 1881، وخلفه في إدارة الشركة السيد فردريك أتكنسون، الذي استطاع خلال فترة وجيزة أن يؤسس إدارة حديثة، ويطور أعمال الشركة.
وبدءا من عام 1882 زجت شركة لوك توماس في منافسة شديدة مع شركة (بريم للفحم)، وتحسن الحال مع بداية الحرب العالمية الأولى التي انتعشت فيها تجارة الفحم، ومع بداية الحرب العالمية الثانية بدأت أعداد السفن التي تعمل بالزيت تزداد سنة بعد أخرى، على حساب السفن التي تعمل بالفحم، وكان هذا واضحا بما فيه الكفاية لمسئولي شركة لوك توماس لأن يسعوا في التوسع في الأنشطة التجارية المختلفة، وخلال أعوام الحرب وتحديدا عامي 1944/1943 قامت شركة لوك توماس بترميم وصيانة 519 سفينة في ورشة حجيف التابعة للشركة، تحصلت بموجبه الشركة على ثناء وزارة البحرية البريطانية.
واصلت الشركة أعمالها التجارية حتى عام الاستقلال (1967)، حيث غادر مسئولوها البلاد، وبعد الاستقلال تم إنشاء (الشركة الوطنية للملاحة) حيث اتخذت مبنى شركة لوك توماس مقرا لها (*).
هامش:
(*) مبنى الشركة حاليا في حالة يرثى لها، وتقبع فيه شركة تابعة للقطاع الخاص (الكاتب).