تمثل ظاهرة هجرة العقول والكفاءات العربية إلى الخارج تهديدا على خطط التنمية في البلدان العربية التي تهاجر منها هذه العقول، وكشفت دراسة صادرة مؤخرا عن جامعة الدول العربية أن 54% من الطلاب العرب الدارسين في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وأن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا من العرب، وأكدت الدراسة أن الوطن العربي يساهم بنحو 31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية إلى الغرب، وبنحو 50% من العلماء في تخصصات مختلفة، وأوضحت الدراسة أن هجرة هذه العقول والكفاءات تكبد العالم العربي خسائر تصل إلى 200 مليار دولار سنويًا، فلماذا تهاجر العقول العربية إلى الخارج؟ وهل يمكن وضع حد لهذه الظاهرة من خلال تحسين البيئة العلمية في الوطن العربي؟ وهل هناك أسباب سياسية تدفع بالمهاجرين إلى خارج الوطن العربي؟ هذه الأسئلة وغيرها أجبنا عنها في سياق هذا التحقيق.
د.هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث بمصر يقول: إن عدد المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التي هاجرت مؤخراً للخارج تقدر بنحو 824 ألفًا، من بينهم 318 ألفا هاجروا إلى الولايات المتحدة، 115 ألفا إلى أستراليا، 75 ألفا إلى بريطانيا،35 ألفًا إلى فرنسا،14 ألفا إلى هولندا، 25 ألفا إلى ألمانيا، بالإضافة إلى90 ألفا في إيطاليا، 115 ألفا في كندا، 60 ألفا في اليونان.
أشار إلى أن معظم طلبة البعثات والمنح الدراسية الوافدين للدراسة في الدول المتقدمة يفضلون البقاء وعدم العودة، وطبقًا لدراسات صادرة في هذا الصدد فإن أكثر من 50% من هؤلاء الدارسين يستقرون في البلدان التي درسوا فيها بسبب عدم توافر فرص العمل المتاحة للتخصص الذي حصلوا على درجاتهم العلمية به، ويشير الناظر في هذا الصدد إلى المشروع الذي أطلقه الدكتور أحمد زويل الذي يحمل شعار الطريق إلى نوبل، وهو المشروع الذي يقوم على أساس تجميع الحاصلين على رسائل الماجستير والدكتوراه من الداخل والخارج، وإتاحة الفرصة لهم لتشجيعهم على عدم الهجرة.
أضاف الناظر أن عدد الباحثين المشاركين في هذا المشروع يبلغ 220 باحثاً تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 40 عاماً، وتبلغ ميزانية المشروع 50 مليون جنيه مصري" الدولار يساوي 5.5 جنيه مصري تقريباً"، ويشمل المشروع 11 فرعاً علمياً، ويؤكد الناظر أن عددا من الكفاءات المصرية التي هاجرت للخارج عادت بفضل هذا المشروع الذي يهدف إلى وقف نزيف العقول، وتأهيل أكثر من عالم مصري لجائزة نوبل.
هجرة أسرية
أما د. محمد بودوو أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط فيقول: بدأت هجرة العقول والكفاءات من دول المغرب العربي للخارج مع إعادة بناء أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت فرنسا أول دولة أوروبية ذهب إليها المهاجرون المغاربة بحكم أنها كانت مستعمرة لبلاد المغرب العربي، وتزايدت منذ العام 1965 عندما تم توقيع اتفاقية اليد العاملة، والضمان الاجتماعي بين فرنسا ودول أوروبية أخرى مع دول المغرب العربي، إلا أن ما حدث أن هؤلاء المهاجرين قاموا باستقدام أسرهم، فحدث ما يسمى بالهجرة الأسرية التي كانت لها عواقب اجتماعية من بينها نشوء أجيال جديدة من المهاجرين حيث نشأ الجيل الثاني مع الثمانينات والثالث مع التسعينيات، يشير بودوو إلى أن المغرب استفاد من العقول والكفاءات المغربية في الخارج بعد أن تم إنشاء أول مؤسسة حكومية مغربية للاهتمام بشؤون المهاجرين، كما سيتم استحداث مصالح خاصة داخل السفارات والقنصليات في الخارج للاهتمام بالشؤون الاجتماعية بشكل خاص، ويضيف: إن عدد المهاجرين المغاربة وصل إلى 3 ملايين مهاجر.
بحث علمي
ويقول عبدالكريم أحمد مهلب المدير العام لدراسات وتبادل المعلومات باليمن:بدأت هجرة اليمنيين منذ العام 1839 حيث هاجر عدد ليس بالقليل إلى دول الخليج وأمريكا والدول الأوروبية، وفي بداية السبعينيات هاجر عدد كبير من اليمنيين إلى دول الخليج بسبب الطفرة النفطية التي ظهرت في هذه الدول، مشيرًا إلى أن المهاجرين اليمنيين استطاعوا تحقيق الاستقرار اللازم في حياتهم، وتكوين أسر لهم، والاستقلال في بعض الأعمال، وإنجاز نجاحات مادية واجتماعية، ما مكنهم من إعادة تنظيم علاقاتهم وروابطهم فيما بينهم، كما لم تنقطع صلاتهم وروابطهم بأهلهم ووطنهم حيث ظل تواصلهم بصورة دائمة ومستمرة.
ويؤكد مهلب أن هناك أسبابًا سياسية واقتصادية واجتماعية لهجرة العقول العربية في الخارج تتمثل في غياب الديمقراطية، وتزايد القمع، وانتهاك حقوق الإنسان، وانتشار وتوسع ظاهرة الفساد، وعدم تقدير الكفاءات العلمية والسياسية، وقلة العائد المادي لمختلف هذه الكفاءات، إضافة إلى قلة حجم الإنفاق على البحث العلمي، فضلاً عن عدم التمييز بين أصحاب الكفاءات وغيرهم حيث يتم وضع الفرد الأقل كفاءة في تيسير دفة الأمور والمسؤولية في العمل والتخطيط في المؤسسات والمراكز العلمية.
وأشار إلى وجود عوامل جاذبة للهجرة خارج الوطن العربي تتمثل في مناخ الاستقرار، والتقدم العلمي والتكنولوجي، الذي تتمتع به الدول المهاجر إليها، وإتاحة الفرصة لأصحاب الخبرات والمؤهلات والتخصصات في مجال البحث العلمي، إضافة إلى توافر الثروات المادية الكبيرة التي مكنت من توفير فرص عمل مهمة ومجزية ماديًا. ويكشف مهلب عن أن إجمالي عدد المهاجرين اليمنيين يصل إلى خمسة ملايين وستمائة وثلاثين ألف مهاجر منهم 700 ألف بالمملكة العربية السعودية، 50 ألفا بالإمارات، 868 ألفا بدول عربية أخرى، كما يصل عدد المهاجرين من اليمن إلى الولايات المتحدة 40 ألفا، وبريطانيا 22 ألفا، وكينيا 60 ألفا، وتنزانيا 50 ألفا، وفي دول غربية أخرى أكثر من 195 ألف مهاجر.
آثار سلبية
يؤكد مهلب أن الهجرة خاصة هجرة العقول تفرز آثاراً سلبية على واقع القيمة الاقتصادية الاجتماعية العلمية، وتعد خسارة تنموية على البلد التي يهاجر منها أبناؤها، وهو نفس ما يحذر منه د.الصديق أحمد نائب رئيس جامعة الخرطوم بالسودان، الذي يكشف أن هجرة السودانيين للخارج تشمل كافة المجالات، ومن بينها العلوم الطبية والصحية والموارد الطبيعية والعلوم الأساسية والتربوية، ويشير إلى وجود خطط لدى الحكومة السودانية لمواجهة نتائج هذه الظاهرة من بينها إنشاء جهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج، وإصدار قوانين ولوائح لتنظيم هجرة العقول في جميع المجالات ذات الصلة، وتشجيع هذه العقول على العودة من خلال الحوافز، وزيادة الرواتب، والتأمين الصحي والسكن، كما تعمل الجامعات على تحسين وضع الأستاذ الجامعي والعمل على استقطاب أساتذة الجامعات والخبراء في الجامعات السودانية.
موضوع: عقول عربية تهاجر بلا عودة والخسائر 200 مليار دولار 
الأربعاء 2 أبريل 2008 - 17:18
