موضوع: سوره التوبه ... الثلاثاء 1 أبريل 2008 - 15:32
بسم الله الرحمن الرحيم" التي تبدأ بها كل سور القرآن الكريم..غابت مرة واحدة عن سورة "التوبة"...والسبب أن الله أراد أن يحرم منها المنافقين الذين خذلوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتأكيد براءته منهم ومن أفعالهم. في قراءته لسورة "التوبة"... يكشف الداعية عمرو خالد أسباب فضح الله للمنافقين ليدفعهم إلى التوبة..وأيضاً سر تسمية السورة بـ "الغاضبة" و"الكاشفة" و"الفاضحة". آخر سورة كاملة
سورة التوبة هي آخر سورة كاملة نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته. أي نزلت بعد 22 سنة من الرسالة. والحقيقة أن جو السورة يرسم ملامح المجتمع الإسلامي إبان نزولها، حيث كان المجتمع يستعد للخروج بالرسالة من داخل الجزيرة العربية إلى أرجاء العالم كله، حيث يرسل الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على رأس جيش إلى الروم، وبعد وفاة النبي خرجت الفتوحات. إذن السورة نزلت في أواخر اكتمال الرسالة وخروجها إلى شعوب الأرض كافة. وسورة التوبة نزلت تعليقاً على آخر غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم، غزوة تبوك التي كان عدد المسلمين فيها 30 ألفاً – بدر كان عدد المسلمين بها 313 مقاتلاً – وانتهت غزوة تبوك بانتصار النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه الغزوة كانت أكثر غزوة شارك فيها المنافقون، وتخلف عنها منافقون. وتخلف عنها بعض المؤمنين الذين تكاسلوا عن الجهاد، منهم ثلاثة معروفين. وقد علقت السورة على كل هذه المواقف.
وسورة التوبة هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، بينما كل سور القرآن بدأت بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
فضل البسملة
لماذا تبدأ كل سور القرآن الكريم بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"؟
كلمة "بسم" خط فاصل بين تفكير ومعايشة أي شىء يحدث في الواقع، والتفكير والتهيؤ لوضع جديد هو قراءة أو الاستماع إلى كلام الله تبارك وتعالى.
و"بسم الله الرحمن الرحيم" فيصل بين وضع سابق أنت متحلل فيه من كل شىء، ووضع جديد فيه ارتباط بالله تبارك وتعالى . لكن سورة التوبة لم تنزل بها "بسم الله الرحمن الرحيم". العلماء قالوا إن هذه أكثر سورة تحدثت عن المنافقين والكفار فحرموا من "بسم الله الرحمن الرحيم".
وسورة التوبة لها أسماء أخرى. سميت بـ"الفاضحة" لأنها فضحت المنافقين. السورة مليئة بصفاتهم. فيها 55 صفة من صفات المنافقين، التي كانت تمارس مع النبي صلى الله عليه وسلم، وسميت أيضاً بـ "الكاشفة" لأنها كشفت عيوب الكفار، وكشفت المتخاذلين عن نصرة الإسلام، وكشفت المنافقين، فهي "الفاضحة" و"الكاشفة"، ولا يوجد ببدايتها "بسم الله الرحمن الرحيم". هي أكثر سورة فيها تهديد ووعيد للكفار والمشركين. تبدأ هكذا: " بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، تبدأ بالتبرؤ منهم. وهي أكثر سورة فيها دعوة للجهاد وتحريض عليه.
الرقم القياسي لكلمة "التوبة"
لماذا سميت إذن بسورة "التوبة" رغم محتواها الكاشف والفاضح للمنافقين والكفار والمحرض على الجهاد؟
التوبة كلمة جميلة في حياتنا، من ارتكب ذنوباً عليه بالتوبة، ومن عمل معصية عليه بالتوبة، ومن أغضب الله سبحانه وتعالى عليه بالتوبة.
وقد سميت بالتوبة لأنها البلاغ الأخير للبشرية قبل وداع النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل ختام القرآن الكريم. وقد حرصت السورة على إبقاء باب التوبة مفتوحاً لجميع الناس قبل الوداع.. (فإن يتوبوا يك خيراً لهم).
وتكررت كلمة التوبة في السورة 17 مرة. أكثر سورة ذكرت فيها كلمة التوبة هي سورة التوبة.
وقد وردت كلمة التوبة في سورة البقرة 13 مرة، وفي آل عمران 3 مرات، وفي النساء 12 مرة، وفي المائدة 5 مرات، وفي الأنعام مرة واحدة، وفي هود 6 مرات.
والمدهش أن الذين تخاطبهم السورة هم الكفار والمرتدون والمترددون والمنافقون والمؤمنون العصاة والمؤمنون الصالحون، حتى النبي والصحابة تذكرهم بالتوبة. أو تقول إن الله تاب عليهم: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار"... السورة تقول لكل هؤلاء: لا ملجأ لكم إلا التوبة.
فضحهم...ليسترهم
لماذا لجأ الله سبحانه إلى فضح المنافقين وهو الستار؟
السورة قالت للمنافقين إن كل حيلهم كشفت وفضحت للمؤمنين، فلم تعد هناك فائدة من التستر عليها أو سترها.
والفضيحة هنا هدفها أن تلجئهم إلى التوبة.. بعد أن ظلوا عشر سنوات ينافقون، وظنوا أن لا أحد كشف نفاقهم ومراوغتهم، فجاءت السورة تضع حداً لخداعهم حتى يتوبوا. مثلما يوقع الله قوماًُ في مصيبة ليفيقوا ثم يتوبوا.
تتكلم السورة عن المنافقين لتقول لهم: أنتم محاصرون، والدين قد تبين تماماً، ولا حجة ولا منفذ أمامكم إلا التوبة. وتدعو المؤمنين للقتال حتى تزرع اليأس في قلوب الكفار من القتال. وتقول للمؤمنين العصاة: توبوا.
وسورة التوبة تجيء في نهاية السبع الطوال من السور. فلو قسمنا القرآن ثلاثة أقسام، الثلث الأول هو السبع الطوال، وهي إذ تجيء آخر سورة فيها، فإنها تفتح ذراعيها بعد اتضاح المنهج في السور الطوال السبع، لتقول للناس: ما رأيكم في التوبة؟
والسورة بهذا تختم حياة النبي صلى الله عليه وسلم بفتح باب التوبة. والسورة تختم القرآن بفتح باب التوبة. وجميل أن آخر ما ينزل من القرآن توبة. وجميل أن ختام حياة النبي توبة. جميل أن ختام الخطاب القرآني توبة.
التوبة.. للجميع
ما إحساسك وأنت تقرأ سورة التوبة وتتأملها؟
أحس بالشدة على الكفار والمنافقين. وأحياناً أحس بالرحمة وأن الله يقبل الناس جميعاً ويتوب عليهم.. حقيقة السورة فيها شدة وتهديد ووعيد لكن حتى التهديد والوعيد للإفاقة.
السورة تبدأ بداية شديدة ملفتة: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم".
ثم تأتي الآية (6) لتعلمك أن من حقهم أن يسمعوا حتى النهاية لتقام الحجة، فلا تكون لهم حجة: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ".
وتسير الآيات، تهدد ثم في نهاية التهديد يقول الحق تبارك وتعالى: "فَإِنْ تَابُوا".
انظر الآية رقم (11): "فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ". من هم؟! أولئك الذين تحدثت عنهم الآية (10):"لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون".
هؤلاء إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لا يكفي العفو عنهم، إنما يصيرون إخوانكم في الدين.
الآية (14) والآية (15) تقولان: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"... إذا كان الله تعالى يقول ذلك للكفار، فما بالك بما ينتظرنا نحن المؤمنين؟ هل يتوب علينا أم لا؟
أمل.. للمؤمنين
هناك أبعاد نفسية واضحة في سورة التوبة تتعامل مع النفس البشرية. ما رأيك في ذلك؟
نعم..إنها تبث الأمل في قلوب المؤمنين. ما الذي ينتظرهم من الله سبحانه، إذا كان الله يعطي كل هذه الرحمة للكفار إذا تابوا. فهو لم يهدف إلى الفضيحة حتى أثناء فضحهم، إنما كان الهدف التوبة عليهم.
والآيات تتدفق بهذه السورة إلى أن تصل إلى الآية الكريمة رقم (24)، فيبدأ الحديث للمؤمنين. والآية لا تتحدث عن الجهاد بمعنى الحرب فقط، إنما تحث على نصرة الدين، وأن يكون دين الله هو أغلى ما في حياتنا.
تقول الآية الكريمة: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين".
ثمانية أشياء حلال وردت في الآية يسأل سبحانه: لو أن هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى أتي الله بأمره..كلام شديد يحض المؤمنين أن يكون الله أغلى ما في حياتنا. ثم تتحدث الآية عن غزوة حنين في الآيتين (25)، (26): " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ". وبعد الخطأ الذي وقع فيه المسلمون، تجيء الآية (27) فتقول " ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ".
نوع جديد من التوبة
السورة هنا تتحدث عن نوع جديد من التوبة، توبة أخرى غير توبة الذنوب والمعاصي التي نعرفها، حين ينظر رجل إلى امرأة بشهوة فيلزم أن يتوب. أو أن شاباً أغضب والديه، أو فاتته صلاة فلابد أن يتوب. السورة تتحدث عن توبة المتخاذلين عن نصرة الإسلام، وكأنها تقول إن ذلك يحتاج توبة شديدة.