تفسير سورة الأعلى
****************
يقول تعالى(سبح اسمك ربك الأعلى الذي خلق فسوي والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الاشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى قد أفلح من تذكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى سورة مكية كان الرسول عليه السلام يقرأ بها فى إحدى ركعتي العيد والجمعة
وقد استفتحت بالأمر بالتسبيح لله العلى القدير ثم ذكرت بعض مظاهر قدرته الدالة على استحقاقه التسبيح ثم ذكرت الوحي وصفة تلقى النبي له وكيف كان يتعجل بالقرأة فينهاه الله ويقول له(سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله)
وأمره أن يذكر بالقرآن متى رجا أن تنفع الذكرى وبين سبحانه من ينتفع به ومن لا ينتفع به
ثم ختمت السورة بالإشارة أن الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة في الدنيا والآخرة سببه تزكية النفس والمحافظة على الصلاة التي هي عماد الدين ولكن أكثر الناس غافلون لأنهم يؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير لهم لو كانوا يعلمون وهذه الحقائق التي تضمنتها من قبل صحف إبراهيم وموسى
تفسير الآيات
*سبح اسمك ربك الأعلى
التسبيح معناه التنزيه عن النقائض والمعيب وقد اختلف العلماء هل المراد تسبيح الاسم أم الرب؟ واصح الأقوال أن الله تعالى أمر بتسبيح اسمه الأعلى وأمر في مواضع أخرى بتسبيح ذاته سبحانه وتعالى فقال تعالى (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) وتسبيحه تعالى معناه تنزيه عن كل مالا يليق به لأنه له الكمال المطلق
وأما تسبيح اسمه فيكون بأمور منها تنزيه أسمائه تعالى عن تسمية غيره فقد سمي المشركون بعض آلهتهم ببعض أسماء الله فقالوا اللات والعزى ومناة وهى مأخوذة من أسماء الله .....الله,العزيز,المنان \ومنها تنزيه أسمائه تعالى عن النطق بها في حال اللهو والعبث فإن الواجب أن ينطق بها في حال الخشوع والخضوع
منها تنزيه أسمائه سبحانه عن الأماكن الخبيثة فمن دخل الخلاء مثلا فلا يدخل بشيء فيه اسم الله
ومنها تنزيه الأوراق المكتوبة عن الامتهان لأنها لا تخلو من اسم الله فلا يجوز أن تتخذ سفرة مثل فرش أوراق الجرائد تحت الطعام ولا يجوز إلقائها في القمامة ........فهذه الأمور كلها من معاني التسبيح باسم الله وفى اسمه تعالى الأعلى إشارة إلى علوه سبحانه فوق خلقه
*الذي خلق فسوي
اى خلق كل شيء فسواه وحسنه وجمله كما قال تعالى (الذي أحسن كل شيء خلقه)
*والذي قدر فهدى
اى قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدر له عن النبي عليه السلام أنه قال (أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال النبي عليه السلام (إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)
*والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى
المرعى ما ترعاه الأغنام وهو يكون اخضر ثم يجعله الله غثاء أحوى أي يابس هشيم وفى هذا اشاره إلى إن كل نبات إلى حصيد وكل حي إلى موت حتى لا تغتر الناس بالدنيا
*سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله
إخبار ووعد من الله إلى الرسول عليه السلام بأنه سيقرأه قراءة لا ينسى منها إلا ما شاء الله وكان الرسول عليه السلام إذا جاءه جبريل عليه السلام يتعجل بالقرأة معه حتى لا ينسى فنهاه الله عن ذلك ووعده أن يجمعه فى صدره فلا يضيع شىء قال تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به أن علينا جمعه وقرأنه)
* إنه يعلم الجهر وما يخفى
اى انه سبحانه يعلم ما يكون من عباده فى كل حال ولا يخفى عليه شيء فى الأرض والسماء
*ونيسرك لليسرى
وعد من الله لنبيه ان ييسره لليسرى في أموره كلها في الدنيا والآخرة
*فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى
قال العلماء شرطية إن نفعت الذكرى فذكر وقسموا المدعوين إلى أقسام
___قسم مقطوع بانتفاعه وقسم مقطوع بعدم انتفاعه وقسم يرجى انتفاعه والقسم الأول هم المؤمنون الذين قال الله فيهم (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وهؤلاء يجب تذكريهم والقسم الثالث لعله ينتفع فمن ترجو ان ينتفع فذكره (وما يدريك لعله يزكى آو يذكر فتنفعه الذكرى) وإما القسم الثاني فهذا قد أمر الله نبيه بالإعراض عنه
*ويتجنبها الاشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى
وهو الكافر الذي يدخل النار فتغمره من جميع الجهات ولا يموت فيها ليستريح ولا يحيى حياة طيبة
*قد أفلح من تذكى
اى طهر نفسه من دنس الكفر والمعاصي ولا تزكو نفسه إلا بإتباع الرسول عليه السلام واقتفاء أثره
*وذكر اسم ربه فصلى
اى أقام الصلاة في أوقاتها طاعة لله تعالى وامتثال لأمره ورغبة فى ثوابه
*بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى
اى تقدمون الدنيا على الآخرة والآخرة أبقى من الدنيا وأفضل
وإيثار الدنيا على الآخرة له أسباب منها الجهل ومنها قسوة القلب ومنها تزين الدنيا فى أعين الناظرين إليها
قال بعض السلف لو كانت الدنيا من ذهب يبقى والآخرة من خزف يبقى لآثرت العقول السليمة الآخرة فكيف والآخرة من ذهب يبقى والدنيا من خزف يفنى
*إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى
يعنى إن هذا المذكور فى السورة قد كان من قبل فى صحف إبراهيم وموسى