زواج "أبيـض ومنيِّل"!
قلت فيما مضى إن الشباب -حين قوبل بالتهميش والاستهانة والإهمال- ضرب كل شيء بالحذاء، وبدأ يصنع لنفسه عالمًا خاصًّا تجاوز فيه كثيرًا من الثوابت الدينية، والقيم الأخلاقية والمجتمعية، واخترع لنفسه مهارب عدة، منها دينية (عبادة الشيطان، الشك، الغلو في الدين) ومهارب دماغية (البانجو والمخدرات الأخرى) ومهارب بدنية (باختراع زيجات غريبة مدهشة) ومهارب فنية (الروشنة، والموسيقى الصاخبة، والحفلات المختلطة الفاقعة، والتسطيح الفني المريع) ومهارب لغوية (لغة الروشنة والصياعة) ومهارب مظهرية (في الشعر والثياب والإكسسوارات) ومهارب وظيفية لا تناسب مؤهلاته واستعداداته وآماله الأولى (العمل في إسرائيل، عمل بعض خريجي الطب والهندسة والعلوم والتجارة في النقاشة والسباكة وبيع البيبسي وأشرطة الكاسيت أمام المساجد) ومهارب أخرى تجسد حالة التضييع (لا الضياع) التي يعيشها أثمن جيل تملكه الأمة: جيل الشباب، الذي لو خرج مسطحًا تافهًا يائسًا عدميًّا فإننا وإياه نحكم على الأمة بالضياع، لمدة ثلاثين سنة على أقل تقدير، لتكون أمة -لا قدر الله- بلا مناعة، ولا وعي، ولا طموح، ولا أمل!
مهارب بدنية
ومن المهارب البدنية والجنسية التي اخترعها الشباب: الزيجات التي يحاولون إلباسها نوعًا من المشروعية أو القانونية، خداعًا للمجتمع أو إقناعًا لأنفسهم بأنهم مصيبون، أو بحثًا عن مهرب يفرون به من الفقر أو القهر أو التهميش أو الإحباط، ومن ذلك نوعان أعتقد أنهما متشابهان أو متطابقا الهدف، هما الزواج السياحي، والزواج الأبيض!
فأما عن الزواج السياحي فقد أكد البروفسور "جيرار نيتش" الأستاذ في السوربون في تقرير نشرته صحيفة "لانتلجنت" الفرنسية (المصريون 12 -5 - 2007)، تنامي ظاهرة زواج الشباب والفتيات "البيني" بالدول العربية خلال السنوات الأخيرة، حيث شهد عام 2006 حوالي 40 ألف حالة زواج مختلط بين الدول العربية، وأن 15% من هذه الزيجات يطلق عليها العرب الزواج السياحي.
لافتًا إلى أن مصر تأتي في صدارة الدول التي يتزوج فتياتها بعرب وأجناس أخرى، يليها العراق ثم السودان واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين وسوريا والدول الخليجية تتصدرها السعودية. وتكون هذه الزيجات زيجات مصلحية في أغلبها.
وأوضح التقرير أن مجموع الزيجات بلغ (2056) حالة، وبلغ عدد المصريات اللائي تزوجن من أجانب 1202 فتاة، فيما بلغ عدد الذكور المتزوجين من أجنبيات 845 حالة.
أما الزواج الأبيض - Le Mariage Blanc- فهو مهرب من الفقر، ومدخل واسع إلى الضياع أو الخروج عن الدين والعياذ بالله رب العالمين.. وهو كثيرٌ بين العرب الباحثين عن مكان (يطفشون) فيه من بلادهم بسبب الفقر، أو القهر، أو الطموح، أو الرغبة، أو المأوى كما يقع بين أبناء البلاد التي تجتاحها الاضطرابات (فلسطين والعراق والصومال والشيشان وأفغانستان والبلقان ودول أوروبا الشرقية والوسطى) فيقدم الشاب أو الشابة مبلغًا من المال لمواطن في دولة أوربية -بغض النظر عن حاله أو سنه أو ظروفه- مقابل الزواج الصوري منه، ليمكن للدافع الإقامة هناك والاستقرار والعمل وتحقيق ما يصبو إليه، مع الاتفاق على عدم إقامة أي ارتباط جنسي.
الغاية تبرر الوسيلة
وقد تكون البنت مسلمة، فتتزوج من غير مسلم (نصراني - يهودي - لا ديني - بوذي... إلخ) غير مبالية بالحلال والحرام، وما يجوز وما لا يجوز؛ انطلاقًا من أن الغاية تبرر الوسيلة، (وخليك إيزي يا عزيزي، وبلاش تحبكوها)، ثم تفاجأ المحروسة أن زوجها التايواني يطالبها بتمكينه منها؛ وفقًا للقوانين المدنية المعمول بها في أوروبا، وإلا فإنها مهددة بالرجوع إلى حالة الصفر التي كانت فيها، خصوصًا (إذا كانت البنت حلوة وعليها العين)، وبعضهم - كما يقول الكاتب الصحفي الشربيني عاشور في مقاله عن الزواج الأبيض - يفرضون عليهن ما يشبه الإتاوة؛ أي راتبًا شهريًّا تدفعه الزوجة؛ لأن أغلب هؤلاء الأزواج يكونون عاطلين عن العمل، أو من كبار السن والمرضى، بما يجره هؤلاء من المشاكل والقضايا التي قد تجبر المسلمة على الاستسلام لهذا الزوج أو هذه الزوجة!
بل كثيرًا ما تُدفع دفعًا للتجارة بعرضها بعد أن تواجه بمشكلات قانونية (وزوجية) أكثر من أن تتحملها! وقضية التجارة بالبشر قضية شديدة الوضوح في بلاد العالم الأول - بلاد الحريات وحقوق الإنسان! - ولا أحتاج للخوض فيها الآن؛ فهي قضية بذاتها تحتاج بسطًا ومواجهة، لتنبيه بناتنا وأخواتنا المسلمات!
وماذا بقي إذن من الزيجات الفشنك؟ هل أتكلم عن المسيار، الذي ظهرت مصائبه؛ بعد أن تحمس له بعض المشائخ، ثم اتضح أنه لا يمكن أن يكون بابًا للسكينة والمودة والرحمة، كما هو المفروض في الزواج الشرعي؟
أم أتكلم عن الزواج العرفي الذي صار كالحرباء، يتلون ويتقنّع بألف قناع وقناع؟ أليس التكييف الواقعي لهذا الزواج، أنه مجرد ورقة -أو غيرها من أدوات التوثيق- تكتب بين الشاب والفتاة؛ دون شهود، أو بوجود أحد الأصدقاء، وبدون مهر، ولا ولي، ولا إشهار، ولا توثيق، ولا مصداقية.
أفَيُعد هذا زواجًا، أليس هو الذي أفرز لنا الأنواع الأخرى، كزواج الكاسيت، وزواج الوشم، وزواج الدم، وزواج الطابع، وزواج المصياف، وزواج المسفار، وزواج الويك إند، وغيرها من الأشكال العجيبة.
الثمار المرة
أليس من حقي أن أتوقع أن تظهر أشكال أخرى، فإن البدع تحصل في الناس بقدر ما أماتوا من السنن، وإن الباطل ليزدهر ويتألق -طرديًّا- مع زهوق الحق وذبوله وانهزامه؛ بتخلي أهله عنه؟!
• ثم لماذا نفكر في الزواج وحده، ولا نفكر في ثماره بالغة المرارة؟
• ألا تأتي هذه الزيجات بأبناء، سيكونون ضحايا فعليين لهذا الزواج؟
• ألا يأتي بأولاد من زواج هو للسفاح أقرب منه للنكاح؟! وما مصيرهم إذن؟
• ألا يؤدي بالبنت التي تقبل عليه - في كثير من الأحيان - لأن تقوم بعمليات إجهاض، أو تنتهي حياتها بالقتل إذا تبرأ الزوج من الوليد، أو إذا عجزت عن الإنفاق عليه، أو خشيت افتضاح أمرها.
لقد علمت بحالات حملت فيها الفتاة - لشوقها للحمل- مرات عديدة، فإذا كاد حملها يتبين أجهضت جنينها، والحسرة تمزق قلبها؛ لأنها تريد الإبقاء عليه، والتقاليد تقول لا، والخوف من الفضيحة يقول لها: إياك، وربما أجبرها رجلها العرفي على طرح الجنين (علشان الظروف) وقد كان آخر إجهاض لهذه البنت بعد بلوغ الجنين ستة أشهر.. أليس هذا قتلاً رسميًّا!؟
وأين التفكير في الآخرة، وأين الحذر من استجلاب غضب الجبار سبحانه؟ وأين التفكير في العار، والأسرة والأبوين، والشرف، وحق المجتمع؟ وأين الأعراف والتقاليد؟ وأين دور المؤسسات؟
وأين كرامتك أنت أيتها البنت التي تعدّك الشريعة هبة من الله تعالى لأهلك. وترفعك إلى أن تكوني في مستوى نصف الدين (مش نص الدنيا زي ما بيقولوا)؟!
أعلمت مكانة أشرف من أن تكوني نصف الدين؟!
الشيخ عبد السلام البسيوني