نص المقابلة
حاوره علي الجرادي
- ما هو خلاصة منطوق الحكم الذي أصدرته في قضية معسكر لحج؟
إثبات التهمة التي رفعتها النيابة العامة على المتهمين من الواحد وحتى الحادي عشر وتكييف القضية إلى تشكيل عصابة مسلحة وحرابة، وإعدام المتهمين من 1-11 بالقتل لارتكابهم القتل بتشكيل عصابة مسلحة والحرابة، وبراءة المتهمين 12-13-14 باعتبار أنهما في حالة دفاع عن نفسيهما وقت إطلاقهم النار في مسرح الجريمة.
بعد ذلك حملنا المسؤولية الجهات المختصة باعتبار أن المتهمين انطلقوا من معسكر تابع للدولة وقادتها، الثابت أنهم انطلقوا من المعسكر وخططوا واجتمعوا فيه وأخذوا السلاح من المعسكر وارتكبوا الجريمة ثم عادوا للمعسكر، فطالبنا بإخراج المعسكرات من المدن وعواصم المحافظات إلى الحدود البرية والبحرية، وتحويل المعسكر الذي انطلقت منه الجريمة وأصبح أداة للجريمة إلى مصلحة عامة.
-ما شأن الرئيس ووزير الدفاع في الموضوع؟
طالبنا إلزام النيابة العامة بالتحقيق مع قائد اللواء وقائد المنطقة ووزير الدفاع ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء باعتبارهم لم يقوموا بمسؤولياتهم وفق الدستور لحماية المواطنين وضبط هذه المعسكرات، وإحالتهم للتحقيق ومساءلتهم بسبب الإهمال والتقصير والتستر على المخالفين.
- من الناحية القانونية ما هي التهم التي وجهها إليك التفتيش القضائي بناءاً على حكمك الشهير؟
أستطيع أن أضع صورة واضحة لمن أراد أن يرجع لما جاء في الدعوى التأديبية في فقراتها التي أجبنا فيها على كل فقرة وفق قناعتنا الذاتية ووفق الدستور والقانون وهذا موجود، ومن أراد أن ينشر الدعوى التأديبية ومنطوق الحكم كاملاً فنحن مستعدون لذلك، سواء الحكم ببنوده أو الدعوة التأديبية التي أخذت على بعض الفقرات ثم الرد على ذلك ثم التعقيب وردودنا عليها.
- ممكن تلخيص مضمون ما وجهته إليكم هيئات التفتيش القضائي التي حققت معك وما هي التحفظات على الحكم الذي أصدرتموه؟
أربع نقاط حول تحويل وصف الجريمة من قتل، وشروع في القتل، إلى تشكيل عصابة قتل، وحرابة وقد رددت على ذلك.
- أنت حكمت على شخصيات هامة في الدولة ولم يكونوا مقدمين من النيابة العامة كمتهمين».. يعني أنك حكمت على أشخاص خارج نطاق وقائع الاتهام؟
كان ردنا على ذلك أنه ليس بصحيح أننا حكمنا على شخصيات لم تكن متواجدة أمام مجلس الحكم، نحن لم نحكم، إنما وردت عبارة «حكمت» ونحن قلنا لم نحكم على هذه الشخصيات لأن القاضي لا يجوز له أن يحكم على أشخاص لم يكونوا متواجدين ولم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، وإنما كان طلب تحقيق.
- وبماذا طالبت؟
طالبت النيابة بالتحقيق فقط، وقلنا هناك فرق بين التحقيق والحكم، فالتحقيق من أولويات الإجراءات التي تتخذها النيابة العامة والتحقيق قد يثبت أو لا يثبت.
- كيف تجرأت بالمطالبة بالتحقيق مع هذه الشخصيات كالرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع؟
بقناعتي الذاتية وبما تأكد لي في الملف أن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزير الدفاع هذه أعلى سلطات الدولة لم تقم بواجبها الدستوري، وعندما نعود لنصوص الدستور والقوانين التي تحدد صلاحيات كل واحد منهم نجد أن هؤلاء ما قاموا بما يجب عليهم لحماية المواطنين في أمنهم واستقرارهم أو حتى في التبليغ عن الخارجين عن النظام والقانون، طالبنا بالتحقيق معهم في فقرات محددة لأن هؤلاء أهملوا وقصروا وتستروا على مخالفين وعندي أدلة موجودة في الملف.
-طالبت بإخراج المعسكر أو المعسكرات؟
المعسكرات.
- هل هذا حكم قضائي أو رؤية سياسية؟
-هذا حكم قضائي باعتبار أن وزارة الدفاع مسؤولة عن معسكراتها وطالما أنها لا تستطيع ضبط معسكراتها حسب ما ثبت لدينا في الملف أن هناك متهمين لم تستطع الدولة إحضارهم ولا وزير الدفاع ولا قائد اللواء وقالوا حرفياً لا نستطيع أن نحضر هؤلاء والقيادات العليا لا يستطيعون إحضارهم إذاً فهناك معسكرات «مفلوتة» لا توجد دولة تستطيع أن تضبطهم.
- حتى إذا خرجوا للحدود هل حُلت المشكلة؟
طالما ثبت لدى القاضي أن هذه المعسكرات خارجة عن النطاق القانوني، باعترافاتهم أن ما تقوم به المعسكرات وخروجهم بهذه الأطقم خلافاً للقانون دون أن يكون لهم ضابط أو رادع.. فمن هنا تنتفي المصلحة العامة للمنطقة، ومن باب رفع الضرر عن المواطنين إخراجهم.
- هل ستحل المشكلة إذا خرجوا للحدود؟
حُلَّت المشكلة بالنسبة للمواطن، طالما هو في خوف ورعب وفي غير أمان ولا يستطيع أن يأخذ حقه وفق القانون والنظام منهم.. فالأصح أن يخرجوا من بين المواطنين.
- هذا كان مطلب سياسي للقوى السياسية عام 93م، هنا جاء اللبس باعتبار أنه حكم سياسي وليس حكم قانوني؟
ينظر له من الناحية القضائية، القضاء إذا رأى أن هناك التزامات وهي في مصلحة المواطن ويرى أن الأخذ بها هو الأصلح للمواطنين يأخذ بها، العبرة بما هي مصلحة المواطن.. هل هو في بقاء المعسكرات أم في خروجها.
- بقية النقاط التي أخذت عليك؟
مسألة التكييف القانوني، الحكم على شخصيات هامة غير موجودة في قائمة الاتهام، تبين أنه ليس حكماً على هؤلاء وإنما المطالبة بالتحقيق معهم وهذا حق للقاضي حرصاً على العدالة والمساواة مع الكبير والصغير.
تحدثوا أني حكمت بحجز أموال الدولة في الخارج والداخل، وفقرة الحكم التي جاءت فيها هو قرار احتياطي يتخذه القاضي حفاظاً على سير العدالة عندما يطالب بالتحقيق مع شخصيات بغية إظهار الحقيقة ويتخذ إجراءات احتياطية من حيث السفر أو فيما يتعلق بالأموال العامة.
- يعني طالبت بعدم سفر هؤلاء؟
لا.. وإنما طالبت بحجز أموال هؤلاء حتى يتم التحقيق معهم.
- بحجز أموال الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزير الدفاع وقائد المحور واللواء؟
كل من ذكرت، حتى يتم استكمال التحقيق معهم، وهذا ما يقصدونه بقولهم «حجزت أموال الدولة في الدعوى التأديبية».
- وهل أموالهم هي أموال الدولة؟
أجبنا على ذلك أننا لم نحجز على أموال الدولة وإنما على أموال أشخاص وإذا أخذوها بغير القانون فيتم التحفظ عليها.
- ما هي التهمة الرابعة التي وجهت إليك؟
الغياب.. خرجت لمدة أسبوعين وأخذت العائلة للإمارات ورجعت وسألوني كيف غبت؟ وأنا لم أغب إلا بعد الاستئذان من رئيس المحكمة الابتدائية ورئيس الاستئناف وأشعرتهم أني سأذهب لمدة أسبوعين وأعود.
- النيابة حينها صرحت أن إجراءاتك باطلة واستأنفت الحكم فور صدور الحكم؟
النيابة العامة لأنها ملزمة بالتحقيق مع الشخصيات التي ذكرتهم وترى النيابة أنه ليس باستطاعتها أن تجري التحقيقات معهم هذا ما قالوا لي به خارج الجلسة، فهم لا يستطيعون إذا طلبنا منهم إحضار بعض الشخصيات من المعسكرات قالوا لا نستطيع إحضارهم.
- كيف تقبل الآخرين منطوق الحكم في نفس الجلسة التي تلوته عليهم؟
قرأت الحكم بهدوء وأعدت كل فقرة مرتين، والمحامين وأولياء الدم كانوا يكتبونها فقرة فقرة، حتى نهايتها، وخرجت بعدها لأمارس عملي.
- هل تلقيت بعد ذلك تهديدات من أحد؟
لم يحصل أي تهديد من أحد أو جهة، ولم أسمح لأحد أن يتدخل في عملي كقاضي.
- لكنك استدعيت من هيئة التفتيش القضائي في وزارة العدل؟
جلست بعد صدور الحكم في العمل شهرين أخرج بدون مرافق يومياً من الشيخ عثمان إلى لحج، وبعد عودتي من السفر وجدت أمر التوقيف.
- ممن صدر؟
من مجلس القضاء الأعلى.
- بعد ذلك تم استدعاؤك للتفتيش القضائي؟
نعم.
- ما هي العقوبة التي صدرت ضدك؟
بعد رفع الدعوى التأديبية تم الرد عليها في جلسات وقد نشرت بعض جلساتها حتى انتهينا من الردود وحجز القضية للحكم، فحكم مجلس المحاسبة بإحالة القضايا للعمل الإداري.
- بسبب الحكم؟
بسبب الحكم، ولم أستلم صورة من الحكم حتى الآن، ولما طلبنا منهم صورة من الحكم قالوا: طالب مجلس القضاء، فتحول الملف إلى المجلس وبعد فترة صدر الحكم بعزلي من القضاء مع استحقاق المعاش الأساسي.
- الآن صدر حكم بعزلك عن القضاء نهائياً.. يعني أنك غير صالح لتولي القضاء في اليمن.. هل تعتقد أن هذا الحكم عادل؟
أترك الإجابة لمن له خبرة في القضاء ولمن له خبرة في المحاماة، لأنه من الناحية العدلية لا يصح أن تحكم لنفسك، وإنما يترك التقييم للآخرين، هذا القاضي عمل في السلك القضائي ولم يكن عليه أي مأخذ، وسواء كانت قضايا شخصية أو قضايا جنايات مدنية من شبوة إلى الحوطة حوالي 400 قضية حكمت فيها، ولم يحصل أي خلاف عليها.
- تقديرات التفتيش القضائي لأحكامك السابقة كيف كانت؟
لما نزلوا إلى شبوة والحوطة كانت تقديراتي جيدة جداً واطلعوا على الملفات والأحكام ولم يبدو أي اعتراض.
- هل تنوي تفعيل القضية وطرحها على منظمات مدنية وحقوقية؟ هل أنت تشعر بالظلم؟
أحتفظ بحقي في الوقت المناسب عندما أرى بوادر طيبة إن شاء الله لأهمية القضاء ودوره واستقلاليته ونزاهته.. فلكل حدث حديث، وحقوقي سأطالب بها في أي لحظة، لأن الحكم هذا جائر.. أُبعدت من القضاء وأسقطت كافة حقوقي القانونية.
- هل هناك مرجعية قانونية أو مدنية؟ وأين المنتدى القضائي؟
غاب والمفروض أن يكون هناك منتدى يدافع فيه عن القضاة ويحميهم لكن للأسف الشديد لا يوجد للقضاة من يحميهم ولا يوجد من يدافع عنهم مثل النقابات والمنظمات الأخرى وهذا يجعل كل قاضي فرداً لا يستطيع الدفاع عن نفسه إذا تعرض لضغوط سياسية أو جهات أمنية وسمعنا عبر الصحف أن هناك قضاة سحبوهم وسحولوهم إلى الشارع أمام أهليهم ولم يدافع عنهم أحد.
القاضي يحتاج إلى حماية إذا وقف وقفة نزيهة لا يخاف فيها إلا رب العالمين.. فمن يحميه ومن يحمي حقوقه؟
- لماذا تسكت عن ظلم بحقك وأنت قاضي.. فكيف سيتجرأ الناس للمطالبة بحقوقهم؟
لكل حادث حديث.
- كلمة أخيرة؟
إن القضاء إذا غاب دوره وغابت نزاهته انتشر الظلم والفساد ووجدت طبقة متنفذة ترى أنها فوق النظام والقانون والشرع، وإنني أرى أن فساد أي مجتمع ينبع من وجود شخصيات متنفذة في أجهزة الدولة لا تخضع لشرع ولا لقانون «مباح لها كل شيء ولا تسأل عن شيء ولا يُحقق معها»، فينبع الفساد من هذه الفئة ونعتبرها فئة طالما ثبت خروجها عن الشرع والقانون أنها فئة باغية تسعى في الأرض فساداً.
هنا لا يجد المواطن قنوات ترد له حقوقه من هذه الفئة ولا يكون ذلك إلا إذا غاب القضاء النزيه الذي يوقف الظلم والظالم عند حده ويقول للمظلوم خذ حقك ممن ظلمك كان من كان.
مما تعلمته ودرسته أن القضاء لا يفرق بين صغير وكبير ولا غني وفقير.. الكل سواسية أمام ميزان العدل الإلهي.
ما نعانيه في اليمن قوله صلى الله عليه وسلم