أسرتها نالت 32 جائزة في سنة
نساء ناجحات ... أمل عبدالقادر العفيفي: المدرسة المتكاملة حلم حياتي
قضت أمل العفيفي جانباً كبيراً جداً من حياتها في العمل بمهنة التدريس، فهي معلمة بعد نيلها للشهادة الثانوية، وقبل أن تصبح جامعية، ورغم انها كانت تحب أن تكون محامية إلا أنها استجابت لمشورة زوجها لما نبهها لحبها الشديد للأطفال، وبعد أكثر من 20 عاماً من عملها بالتدريس، وكونها الآن الأمين العام لجائزة خليفة التربوية، مروراً بكونها وكيلة فمديرة لمدرستين نموذجيتين للبنات، إلا أنه يبقى حلم حياتها المدرسة المتكاملة التي تذوب المسافة فيها بين المعلمة والطالبة مع بقاء الاحترام، التقيناها في هذا الحوار:
حوار: محمد ثابت توفيق
كيف كانت نشأتك وحياتك العلمية؟
أنا من مواليد أبوظبي في 3 من يوليو/ تموز ،1965 ونشأت في منطقة آل نهيان العسكرية، لأن الوالد رحمة الله عليه كان عسكرياً، وبدأت حياتي العلمية بروضة الايمان، حيث تعرفت الى صغار من الجنسين في مثل عمري وقتها صاروا في مناصب كبيرة فيما بعد، ثم التحقت بمدرسة “حليمة السعدية” الابتدائية، ثم انتقلت الى مدرسة “زبيدة” ثم انتقلت للدراسة بمدرسة القدس الإعدادية، ومن الطريف انني صرت مديرة لها فيما بعد، وكذلك عملت معلمة بمدرسة “حليمة السعدية” وتدربت فيها في العام الأول من حياتي بالتدريس، وفي أثناء دراستي بمدرسة القدس ذهبت في بعثة الى الأردن، ممثلة لأبوظبي كطالبة قيادية في المرشدات.
وتخرجت في مدرسة “أم عمار” الثانوية وحرصت على ان تلتحق بناتي بها لثقتي فيها، وكان نيلي للشهادة الثانوية في عام 1984.
أعرف أنك تزوجت بعدها مباشرة، وقبل أن تكملي تعليمك؟
بالفعل تزوجت عقب ذلك مباشرة، وذهبت مع زوجي لإنجلترا ليدرس الطيران، وزوجي “رشاد محمد السعدي” ضابط طيار الآن، وفي تلك الفترة اكتسبت اللغة الانجليزية، كما كنت أحاول ان أتفهم عمل زوجي، وكان كثيراً ما يشجعني، وكنت أتمنى ان أدرس في كلية الحقوق، وكان يتمنى ان اصبح معلمة لشغفي بالاطفال، فدرست التأهيل التربوي لأتخرج معلمة كما تمنى زوجي، ولأعمل عام 1986.
وبدأت حياتك العملية لفترة قبل ان تعاودي الدراسة من جديد؟
بعد تخرجي عملت لسبع سنوات بحماس وحب للمنافسة، حتى قيل لي انه لن أصبح وكيلة لمدرسة قبل ان أنال شهادة جامعية، وهكذا عدت للدراسة من جديد، وكنت أدرس في الجامعة، وأعمل في الوقت نفسه حتى أن ألم الولادة فاجأني وأنا في إحدى الحصص، حتى تخرجت عام ،1995 وبعدها كان عليّ أن أعمل بمنطقة نائية، فكان عليّ أن أحصل على رخصة للقيادة وأعانني زوجي على ذلك، فأصبحت وكيلة لمدة سنتين في “بني ياس” ثم بعد افتتاح المدارس النموذجية، وإعلان الدكتور عيسى السويدي إجراء مقابلات مع من ترغب في الترشيح، ولم أكن أنوي هذا إلا ان مديرتي “عائشة ماجد”، مديرة مدرسة المفرق الآن، شجعتني، وما كنت أتخيل ان يقبلوني، في ظل وجود أخريات لديهن خبرات أيضاً ، وقد كان حلمي ان ننشئ مدرسة مثل مدارس الخارج، ولما ذهبت مع زوجي لإنجلترا حلمت أن تكون لدينا داخلية للبنات أعلمهن فيها الأنشطة، والهوايات في ظل قوانين، وقواعد تختلف عن تلك التي تنظم الدراسة والأنشطة في المدارس بوجه عام، وعن ذلك حدثت د. عيسى السويدي، وفوجئت بقبولي، فعملت لمدة عامين بالآفاق النموذجية التأسيسية عام ،1998 وكانت أول مدرسة نموذجية، وكان العمل بها ينتهي عند الرابعة عصراً، ونظل حتى السادسة مساء، ورغم هذا كان لدي حلمي الذي أريد تنفيذه في بناتنا، وساندني مجلس الأمهات وكن مثل عائلة واحدة حتى اننا كثيرا ما قمنا بتنظيف المدرسة.
وتشجعت بعد عامين لأن أسافر من جديد لأمريكا هذه المرة حيث تدرس بناتي، والتحقت متطوعة بإحدى المدارس في “مونتجمري” لأتدرب على كل ما يمكن تصوره من أعمال بداية من المديرة والمصورة والمحاسبة والمشرفة على المطعم والمدرسة لصفوف المعاقين، تعلمت كيف تكون المديرة مناوبة لجميع الاعمال المدرسية، وكان عملي التطوعي في أمريكا يستهلك يومي، وفي بقية الايام أدخل في دورة مع زوجات الضباط المماثلات لي في دورة للغة، وأدرس لهن عن دولتنا العادات والتقاليد، والطبخ، أردت اكتساب خبرة، واندمج مع الجاليات الأخرى، وكم تغيرت أفكار الكثيرات عن المرأة العربية بعامة والخليجية بصورة خاصة عندما رأينني أتطوع رغم عدم طلب هذا مني.
وهل حضرت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في أمريكا؟
نعم، وحدث تغير في المعاملة عن ذي قبل، بعد ان كانوا معتادين على ان يروا بناتي بالحجاب، واضطررنا بعد 11 سبتمبر/ ايلول لأن ننظم كجاليات عربية محاضرات لنعرفهم الصورة الصحيحة عن العرب والإسلام حتى استطعنا ان نستعيد ثقتهم فينا، وهذا لا يمنع ان بعضهم كان يساعدنا، ولكن المشكلة كانت في الإعلام، وغير المثقفين، لدرجة ان هناك بعض الأسر العربية عادت، ولكن زوجي صمم على بقائنا حتى تتم بناتي المنهج الذي يدرسنه هناك، اضافة الى ما يدرس من منهج هنا في الدولة، وبالفعل أثمر ذلك، فلدي ابنة من الأوائل وهي تدرس الهندسة الكيميائية وأخرى تدرس التجارة والاقتصاد بجامعة زايد، وابني بالإمارات الوطنية، وعدنا وكنت أظن انني سأعمل بمدرسة أجنبية، ففجأني محمد سالم الظاهري مدير منطقة أبوظبي التعليمية باختياري مديرة لمدرسة الآفاق العليا المواهب النموذجية لأتابع التلميذات كأول مديرة تقوم بذلك من صف أول لثانوية عامة، وانهال الدعم عليّ من مجلس التعليم ممثلاً في مبارك الشامسي، حتى مجيء سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك أم الإمارات حفظها الله للمدرسة، وكانت أغلى هدية نلتها في حياتي وشجعتني على مواصلة المسيرة.
هل يعني هذا أنك فكرت في التقاعد مثلاً من قبل؟
فكرت ومنعني أبي رحمه الله قائلاً دولتنا أعطتنا الكثير، ولو أعطيتها دمك لا يكفي، ومن أجل ان أظل افتخر بك، وكانت فكرتي محاولة التفرغ لتربية أبنائي، إذ ليس من المعقول ان أربي أبناء الناس، وتربي أبنائي الخادمات، وأعانني الله فيما بعد، ثم بفضل مساعدات الوالدة التي تأخذ بيدي وتساعدني كثيراً في تربيتهم.
وإذا انتقلنا للحديث عن الجوائز، فنبدأ بجائزة حمدان للتمايز وجائزة خليفة، ماذا تعنيان لك؟
توفي والدي وهو يوصيني، وزارني قبل وفاته بأيام ليشجعني على التقدم لجائزة حمدان للتمايز كأفضل مدرسة، ثم نلت جائزة خليفة للمعلم المتميز، وبناتي في المدرسة ينلن افضل مراكز على مستوى الدولة في السباحة، والإعلام، وغيرها من الأنشطة المدرسية لدرجة أننا في عام واحد نلنا 32 جائزة.
أنت الأمين العام لجائزة خليفة التربوية، ماذا يمثل لك ذلك؟
الجائزة كانت تسمى من قبل جائزة خليفة للمعلم المتميز، ومع التطوير المتلاحق للتعليم بالدولة انفتح مجال التقدم إليها وزاد ما تقدمه من جوائز فصارت متاحة للموجه، وللإدارة المدرسية المتميزة، ولذوي الاحتياجات الخاصة، وللتعليم العالي، وللمشاريع المبتكرة التربوية داخل الدولة، وللأبحاث التربوية المبتكرة داخل الدولة، وللمدارس الخاصة، وسوف يضاف الى الجائزة في العام المقبل المشروعات والبرامج التربوية المبتكرة التي يتقدم بها فرد أو مؤسسة خارج الدولة، والأبحاث الخاصة المرتبطة بقضايا الطفل، والمؤلفات التربوية المكتوبة بالعربية أو الانجليزية مع جائزة للشخصية التربوية المتميزة في العالم.
ومما يؤثر فيّ جداً، ويزيد من حماستي للجائزة مجهودات، وكلمات سمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورغبة جميع المسؤولين في تقدم التعليم المقدم للجيل الجديد من الطلاب، ففتحوا لنا مجالات كثيرة من الوسائل التعليمية، للتقنيات، وزيادة مبلغ الدعم المقدم للطلاب، فلم تعد الدولة تهتم بالمبلغ الذي تنفقه على الطالب، والمسؤولون لدينا يدعمون المشاريع المقدمة من قيادات التعليم، ويكفي أن كل معلمة في مدرستي لديها حاسب آلي شخصي أو المدرسة إلكترونية.
مع تقديري لكل ما ذكرت وللجهود المبذولة، ولكن هل يعني هذا أن التعليم بالدولة على ما يرام؟
من ناحية الإمكانات فهي متوفرة، وليس هناك بلد في العالم لديه هذا المستوى العلمي منها، وقد زرت بلداناً ليس في مدارسها “السبورة الذكية” مثلاً، ولكن الذي ينقصنا بالفعل هو المنهج، فهو مشكلتنا، والآن نحاول تطويره، مع إيماني بأن هذا سوف يحدث ولكن خطوة خطوة ويوماً بعد يوم سوف تتغير مناهجنا، ولكن يجب أن نستفيد من تجارب غيرنا، فما أثمر في دولة أخرى ويمكن تطبيقه لدينا يجب أن نستفيد منه، ثم يجب ألا نسمح بأن يعمل أو يدخل مدارسنا إلا من يحب مهنة التدريس، وبالتالي فلا داعي لأن يدخل المهنة زميل وزميلة لا يجدا مهنة أو ان المجموع قذف بهما في نوع من الدراسة جعلهما مدرسين، بينما هما لا يحبان المهنة، ولا المكان، ولا يدريان الهدف منها، والحمد لله بدأت كلية الامارات للتدريب والتطوير تخصصاً للتربية.
وكذلك يجب على من يحبون المهنة، والمواطنين ان يتمسكوا بعملهم فيها، وألا يبحثوا وراء المهن والوظائف التي تحقق مزيداً من الدخل، فللأسف أخسر معلمات متميزات لأنهن سيعملن بمجال يحقق مزيداً، ووفرة في الدخل، مجال غير تربوي، ولا ينظرن للجوائز التي يمكن ان ينلنها، ولا للمكرمات.
والتعليم في أمريكا ماذا جذب انتباهك فيه؟
ما أعجبني، وكنت أتمنى ان يصبح لدينا هو حرية الطلبة والطالبات في اختيار المواد التي سيدرسونها من الصف الثالث الاعدادي في مسارات مثل الجامعة، فابنتي تركت بعض المواد، ولم تختر دراستها، كما ان الطالب في المرحلة الثانوية عليه ان يختار مجالاً يعمل فيه ليخدم البلد، ولو لساعة أو ساعتين، وهكذا جعلت ابنتي تعمل بمنطقة أبوظبي التعليمية وهي تدرس من دون ان تنظر كم يعطونها، لا يجب ان ننظر الى النقود وحدها بل كم من الفوائد سوف تعود علينا من وراء ذلك، وبالنسبة للتشجيعات فدولتنا تفكر في الجميع ولا تنسى أحداً.
وفي المقابل أريد من الأسرة ان تشعر بهذا الجهد، وتقدره كي تدفع بالطالب أو الطالبة نحو التفوق، فلا يظل لعامين بالصف الدراسي نفسه، ولا يدور في الشوارع والطرقات، بعض أولياء الأمور لا يعرفون قيمة تعليم أبنائهم، وكثيرون يتواصلون معهم أو البعض يرسل السكرتيرة.
وما الذي تتمنينه من تقدم وتطور لجائزة خليفة؟
أتمنى تبادل الخبرات عبر فتح المجالات لنأخذ خبرات المدرسة المتميزة بأي مكان، ونحن نبني مشروعاً متميزاً بدعم كبير، أتمنى أيضاً أن نجذب الكوادر لتأليف الكتب المتميزة، والدراسات الدالة، وأيضاً أتمنى إبراز دور المواطنين المعلمين التربويين، وتشجيع أبناء الدولة، والاستفادة من نجاح مناهج بعض الدول، والاهتمام بالانشطة والطفولة.
ولمن تدينين بالفضل اليوم؟
أشكر معلماتي، وطالباتي، ومجلس الأمهات، وكل من درسوا لي، صديقة القاسمي جارتي المديرة التي كنت تلميذة لديها، وكل إنسان، أو إنسانة مد يد العون لي، وبخاصة زملائي في العمل، أنا مدينة بالفضل لفريق العمل الواحد، وأيضاً لأجهزة الإعلام التي وقفت معي في أنشطة المدرسة وأبرزتها.