التغيير" ـ خاص ـ لطفي شطارة: تلقيت قبل يومين رسالة من زميلة صحافية في عدن مشهود لها بالكفاءة المهنية ، ووطنيتها لا يمكن الطعن فيها حتى لو تكالب عليها أو تجاوزوها منصبا أنصاف الصحافيين الذين
امتهنوا الكذب والنفاق وسخروا أقلامهم لإشباع رغبات زائلة والحصول على منافع من السلطة التي تريد من يلمع وجهها القبيح لدى شعب مقهور من ممارساتها وسياساتها ، وللأسف تقمص كثير من الصحافيين دور " الشاويش متولي " في ألأفلام المصرية القديمة الذي يقف أمام الضابط المسئول ويضرب رجله بقوة في الأرض وهو يؤدي التحية " كله تمام يا أفندم " ، فزميلتي التي بعثت برسالتها لي هي من الصحافيات النشيطات واللاتي لهن مقدرة مهنية عالية لا تقدرها صحافة بلادها مثلها مثل كثير من الصحافيات والصحافيين الذين يعيشون في الظل ، في رسالتها قالت لي
تلك الزميلة ما أستطيع ان اقتطف منه هذه الفقرة التي دفعتني لكتابة هذا المقال " حقيقي كانت هناك سلبيات في فترة ماضية من السبعينيات حتى أوائل التسعينيات لكنها مقارنة بما نراه اليوم بون شاسع وأنت تعلم وكنا نقول لك على هذه السلبيات أثناء زياراتك إلى البلد لكنك كنت مبهور بالقشور الكاذبة التي كانوا يظهرونها لك أما ما تحتها كنا نحن نراها ونعيشها كنت أنت تطلب مننا أن نصبر وأن الغد يحمل الكثير من المفاجآت السعيدة وكنت تكتب المواد التي تهاجم الحزب وهذه كتابات لم نكن نريدها لأننا نريد أن ننسى الماضي وعلينا أن نبني الحاضر واليمن أصلا بلد يبني على أنقاض الماضي لا تغيير بل أخص والعن " .
رسالة زميلتي كتبت بمرارة وفيها عتاب على مواقفي التي كنت أقولها بأن الحزب الاشتراكي هو وراء معاناتنا بصراعاته في الماضي ، وولوجه إلى الوحدة بدون دراسة لمثل هذا القرار التاريخي وعواقب ارتجاله في لحظة مفعمة بالعواطف لم تكن لها نظرة ثاقبة للمصالح المشتركة التي سيجنيها مواطنو البلدين شمالا وجنوبا ، وهي أساس لأي اتفاق أو عقد شراكة واندماج ، بعد أن كنت كغيري من الجنوبيين الذين اعتقدوا أن الوحدة سيعم خيرها على الجميع ، وأن البلد الموحد ستزول فيه الفوارق أما الحزبية أو القبلية ، وسيحتاج إلى كل فرد فيه للدفع بعجلة التطور والتنمية كل في مجاله ، وأن حياتنا ستتغير نحو الأفضل وأن حلم الوحدة الذي تربينا عليه في الجنوب وفي كل مراحل حياتنا التعليمية سيغدو واقعا ، ولكني اليوم مثلي مثل غالبية الجنوبيين الذين لم يتندموا على مواقفهم الوحدوية ، بل يتحسرون على وضعهم الذي خسروا فيه نظامهم المؤسسي الذي كنا فيه تحت مسؤولية دولة ونظام ، واليوم أصبحنا نفتش عن مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها بعد أن فقدنا النظام وعمت الفوضى كل مناحي الحياة ، حتى الأمن تحول من حماية للمواطن إلى وسيلة لابتزازه .
ورغم كل ما ذكرت فأني قلت ومازلت وسأكرر رأيي في أن الرئيس على عبد الله صالح قد فشل مرتين في الاستحواذ على قلوب الجنوبيين الذين جاؤوا إلى الوحدة طواعية ولم يكونوا مجبرين على ذلك .. مرة أثناء توقيع اتفاقية 30 نوفمبر 1989 ومرة ثانية بعد حرب 1994 .. ولست أعول كثيرا على بعض خطابات فخامته التي يكرر فيها أن النظام في الجنوب كان منهارا وكان دمويا وكان مصيره قريبا إلى مصير نظام تشاوشيسكو في رومانيا إذا ما وضعنا مقارنة بين النظامين في الشمال والجنوب قبل الوحدة فسنجد أنهما كانا يعانيان أزمات سياسية واقتصادية ، ولم يكن حال الشمال لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا إجراميا أفضل من الجنوب إن لم يكن أسوأ منه بسبب وجود نظام عسكري وقتها لم توجد لديه إستراتيجية اقتصادية يبني عليه الشمال مستقبله .. ولكني أعتبر مثل تلك الخطابات هي شطحات ومغالطات تنم عن ضعف وليس قوة لتغطية حالة الانهيار التي قد تعصف باليمن بشكل عام بفعل أخطاء فخامته القاتلة التي تعزز مقولة ( أنا وما بعدي الطوفان ) ، وحزبه الذي يطبق شعارا " لا صوت يعلو فوق صوت علي " أي التفرد بالقرار ، بينما كان شعار الحزب الاشتراكي قبل الوحدة في الجنوب " لا صوت يعلو فوق صوت الحزب " أي القرار الجماعي أو للأغلبية التي تصارعت في ما بينها ، والأغلبية التي دمرت دولة ونظام من أجل هدف أسمى وأكبر وهو " الوحدة اليمنية " ، التي أعتبرها ولا يزال فخامته إنجازا له دون غيره لا الشركاء في الجنوب ولا الشرفاء في الشمال ، وهذا خطأ تاريخيا لأننا لسنا قصر لتصديق ذلك ولا التاريخ يكتب من دائرة التوجيه السياسي والمعنوي .
قلت لقد فشل فخامته في الاستحواذ على قلوب الجنوبيين عندما جاء الى عدن للقاء علي سالم البيض لبحث خيارات الوحدة ( فيدرالية أو كونفدرالية ) عام 1989 ، وتحولت بعد ستة أشهر فقط إلى اندماجية وفي غفلة من الزمن ، ومع هذا بقي الهدف أسمى على الأقل من وجهة نظر القيادة الجنوبية ، أما قيادة الشمال فقد كشفت عن وجهة نظرها من خطوة الاستعجال بالوحدة الاندماجية عبر سلسلة التصفيات التي طالت قيادات جنوبية قيدت جميعها ضد مجهول ، وهذا شيء لا يمكن تصديقه حتى وإن حاولت القيادة وقتها إيهامنا بأن المنفذين تلك الجرائم مختلين عقليا ، حتى جاءت حرب 1994 لتكشف لنا أن جميع من في " مصحة الأمراض العقلية " خرجوا جميعا لتبيت الوحدة ، ومع هذا ضاعت فرصة ثانية للرئيس علي عبد الله صالح للاستحواذ على قلوب الجنوبيين خاصة وأنه جعل من " تثبيت الوحدة " شعارا للحرب التي دارت رحاها في غالبيتها في مدن الجنوب وعلى مدى شهرين ، وفي 7 يوليو من العام نفسه تبين للجنوبيين أن شرعية الحرب تكمن في البسط على الجنوب وتدمير دولة ونظام كان يمكن أن يبنى عليها دولة الوحدة التي نشدناها جميعا ، واستبدلها فخامته بفوضى وفساد وإتباع سياسة الأرض المحروقة في صمته على نهب الثروة وإفراغ الجنوب من كل كوادره ، بل أن ممتلكات الدولة المنهوبة تحولت الى غنائم حرب وفيد للعسكر الذين صارت كلمتهم العليا ، وليس هذا استنتاجي أنا بل ما قاله محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية في التجمع اليمني للإصلاح والذي نشر في صحيفة " الأيام " العدنية بتاريخ 20 ابريل 2006 عندما قال نصا أن " ممارسة الفساد وخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية بلغت مرحلة الخطورة ويحق أن نعتبرها أنها عامل الانفصال " ، وهذا التصريح هو استخلاص للوضع الراهن الذي يعيش فيه الجنوب حالة من الغليان ممزوجة بالاحتقان .
أعتقد أن محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية لحزب الاصلاح لن يكون ساذجا في قول مثل هذا الطرح لغرض كسب ود ابناء الجنوب لصالح حزبه للانتخابات الرئاسية المقبلة ، لانه وببساطة لو سأل أي مواطن جنوبي حول رأيه في الانتخابات المقبلة فلن يجد غير رد واحد وهو عدم الاكثرات بها ، او بصريح العبارة لا تعنيهم خاصة اذا ما لاحظنا أن الغالبية ان لم يكن جميع المتقدمين للترشح لانتخابات الرئاسية هم من المحافظات الشمالية ، وهذا دليل واضح على الحالة التي وصل فيها الجنوبيين بعدم شعورهم أن هذه السلطة هي سلطتهم او حتى تدافع عن حقوقهم ، كل ما تقوم به السلطة هو اختصار القضية الجنوبية في تعاملها مع الحزب الاشتراكي ، ولم تستطيع أن تفرق رغم مرور 16 عاما من الوحدة بين شعب الجنوب والحزب الاشتراكي الذي كان في الجنوب ، فالشعب الجنوبي الذي فقد دولته من أجل الوحدة بعد 22 مايو 1990 ورآها تتلاشى بعد حرب 1994 ، فوجدت كل كوادر الجنوب نفسها محالة للتقاعد المبكر ، وجيش دولة بكاملها جرى طرده من معسكراته وتحول أفضل الطيارين والمهندسين العسكريين وقادة ميدانيين الى سائقي تاكسيات ، نهبت أراضي وممتلكات الدولة وتم توزيعها على المقربين والمتنفذين كفيد حرب ، ناهيك عن الطمس المنظم للهوية الجنوبية والتي تتكشف ممارساتها في جوانب كثيرة لا يكفي المقال لذكرها ، ولكن يكفي أن ترى وضع القناة الثانية في عدن كدليل على الحساسية التي أصيبت بها السلطة من عدن عاصمة الجنوب فألغت اسم عدن عن تسمية القناة التلفزيونية الثانية لتكرس 22 مايو بدلا عنها ، فلست هنا لتقديم براهين على حالات الجرائم التي تحدث في الجنوب باسم الوحدة ، والتي خففها محمد قحطان بأنها حالة "فساد " وليست جرائم يمكن أن تكون مبررا للمطالبة بالانفصال وهو حق قد لا يستطيع أحد منعه اذا أستمر تجاهل القضية الجنوبية بأنها قضية شعب وليست قضية حزب مرهونة بإعادة مقراته وأمواله المصادرة ، فالجنوب قضية شعب تمارس ضده كل الجرائم والانتهاكات وبصمت وتجاهل من الحزب الذي قاده الى هذا الوضع الذي يعيشه اليوم .
فالجنوبيون يرون أن الرئيس علي عبد الله صالح الذي هتفوا باسمه وهو يشق صفوفهم من نقطة " كرش " الحدودية الى قصر " معاشيق " في عدن في نوفمبر 1989 ، قد خذلهم وخانهم .. بل أن أغلبيتهم اليوم يرونه مسئولا وحيدا عن الاستعجال بالوحدة ومسئولا عن تأزم الأوضاع قبل 1994 ، ومسئولا عن إعلان الحرب في 27 ابريل 1994 ، ومسئولا عن الانقلاب الذي أنهى الوحدة الطوعية بين دولتي الجنوب والشمال وحولها الى احتلال دولة الشمال لدولة الجنوب وبالقوة .. واضعين أمامه أسئلة بحاجة الى إجابات واضحة :
مسؤولية من مصادرة كل مؤسسات دولة الجنوب وتوزيعها على المقربين ؟
مسؤولية من توزيع مصانع دولة الجنوب على الحاشية والمتنفذين ؟
مسؤولية من تجهيل أبناء الجنوب وإقصاءهم من المنح الخارجية ؟
مسؤولية من إبعاد أبناء الجنوب من المنافسة على المناصب بالكفاءة وليس الولاء ؟
مسؤولية من إفقار الجنوب وإتباع سياسة التجويع والإذلال لابناؤه ؟
مسؤولية من عدم وجود العلاج والدواء في مدن الجنوب ؟
مسؤولية من تدمير النظام المالي والإداري في الجنوب واستبداله بسياسة الفساد المنظم ؟
مسؤولية من تبذير الثروة واقتطاع الأراضي والاتجار غير المشروع من البسط عليها ؟
مسؤولية من قتل أطفال وشباب الجنوب على أيدي عسكر النظام ولم يقدموا إلى القضاء ؟
مسؤولية من المستقبل المجهول الذي ينتظر الجنوب بعد أن تخلت السلطة عن جميع مسؤولياتها ؟
مسؤولية من الفصل الجاري للتمييز بين أبناء الجنوب عن أبناء الشمال في التعليم والعمل ؟
مسؤولية من تخلي السلطة عن التزاماتها تجاه أبناء الجنوب الذين كانوا ومازالوا لا يملكون إلا الدولة ؟
الجنوبيون وباختصار شديد أصحاب حق .. أصحاب ثروة.. أصحاب أرض.. وأصحاب هوية.
فالسلطة التي استكبرت بعد حرب 1994 نست او تناست أن الشعوب لا يمكن إبادتها وأن المنتصر لن يكتب التاريخ إلى مالا نهاية كما فعلت في مسخ هوية الجنوب وبددت ثروته وبسطت على أرضه وأستو لت على ممتلكاته وتشوه صورة قادته بعد أن شردتهم كما تفعل في إطلاق الأوصاف عليهم :
علي سالم البيض انفصالي ( وهو الذي وقع اتفاقية الوحدة وتنازل عن منصبة ليكون نائبا )
علي ناصر محمد دموي ( وهو الذي طرد من صنعاء بأمر فخامته بحجة أن الاشتراكي أشترط خروجه قبل الوحدة حسب تأكيدات مصادر موثوق بها ) وخرج مسالما
حيدر ابوبكر العطاس متآمر ( وهو رئيس الحكومة الذي وضع برنامجا للإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي الشامل )
عبد الله عبد المجيد الاصنج عميل ( وهو الذي عمل من أجل بناء السياسة الخارجية للشمال ومستشارا سياسيا لفخامته )
أحمد عبد الله الحسني مختل عقليا ( وهو الذي كان قائدا في حرب " الشرعية " وسفيرا لليمن لدى سوريا )
عبد الرحمن الجفري انتهازي ( وهو الذي وقف ضد البادئ في حرب 94 تاركا ممتلكاته وعقاراته وأمواله في صنعاء)
علي صالح عباد مقبل مريض ( وهو الرجل الذي ظل مقارعا كل محاولات الضم والإلحاق بعد 7 يوليو 94 )
حسن باعوم خائن ( لانه رفض كل إغراءات السلطة للصمت على ما يجري في الجنوب )
محمد حيدرة مسدوس مجنون ( وهو نائب رئيس الوزراء السابق الذي رفض أن يرهن مواقفه للمنتصر )
هؤلاء هم الجنوبيين الذين رفضوا التنازل عن قضية الجنوب ، فالسلطة تعلم أنها مهما ارتهنت للمؤسسة العسكرية او راهنت عليها في كل أزماتها ، فأن البلد يمر بمنعطف خطير لان فخامته أراد تأزيم الوضع السياسي بعدم عمله على تهيئة أجواء انتخابية لمرحلة " ما بعد حقبة علي عبد الله صالح " وفتح أبواب الشكوك " سيترشح لا ؟ او سيخرج من السلطة لا ؟ " وخرج بعض الصحافيين يستهزؤن من قائمة المرشحين لمنصب الرئاسة ، منهم من وصفهم بأنهم غير مؤهلين لانه منصب رئيس دولة اليمن وليس بواب عمارة او شيخ حارة ، ونسى هؤلاء الكتاب المنافقين الذين لا يقرؤون أن البرازيليين اختاروا لويز إناسيو لولا دا سيلفا " صانع أحذية " رئيسا لهم تمكن في ثلاث سنوات ان يسدد نصف الديون التي خلفها سلفه البروفسور فيرناندو هنريك كاردوسو،.. كما أن السلطة نفسها تعلم أن والوحدة أصيبت بمقتل بسبب ممارسات السلطة التي اعتقدت أنها تكمن في الهيمنة والإذلال ، كما أكد فخامته يوم أمس في خطابه في الكلية الحربية في صنعاء عندما قال : " لقد سكبنا انهارا من الدماء على أبواب عدن وحضرموت " نسى أن الوحدة قامت طواعية ، ونسى أن من قتلوا وسقطوا ضحايا دفاعا عن عدن وحضرموت في تلك الحرب البشعة هم أنفسهم من اصطفوا للهتاف باسم فخامته في نوفمبر 1989 ، ولم يكونوا يعلموا أن مصيرهم سينتهي على يده ، فعبارات مثل هذه هي للتهديد والوعيد وموجهة للأصوات الجنوبية التي تتعالى في الداخل والخارج كاشفة عن حقيقة الأوضاع التي أفرزتها السلطة التي جمعها كلها فخامته في يده ، في تعاملها مع الجنوب بأنها قضية الحزب الاشتراكي يستطيع التحكم بمصيره كما يفعل ألان وعن بعد ، ونسى أنها قضية شعب .. والشعوب يستحيل دفنها او طمس هويتها او حتى السيطرة عليها إذا ما استهزاء بها أو أستخف بحقوقها .. فشواهد التاريخ كثيرة ولكن من يعتبر ؟ ومن يتعلم من تلك العبر ؟ .. وقبل فوات الأوان .
كاتب وصحافي بريطاني – يمني يقيم في لندن